إعادة التفكير بإسرائيل – فلسطين فيما وراء موطن البانتو وفيما وراء المستوطنات
بينما باشر الرئيس باراك أوباما رحلة الاستماع في الشرق الأوسط، فمن المرجح أنه شهد أثر عقدين من عملية أوسلو للسلام؛ عشرون عاماً وعشرات القمم وملايين الدولارات جميعها لم تقرّب الفلسطينيين والإسرائيليين من تأسيس سلام قابل للنجاح.
لقد ارتبطت الاتفاقية التي رعتها الولايات المتحدة برُقْية تأسيس دولتين لشعبين تعيشان جنباً إلى جنب. في الواقع، فإن إسرائيل موجودة كدولة منذ 1948 وقد بقي الفلسطينيون فيها كنازحين داخليين، وتم نفيهم من قبلها واحتلالهم من قبلها في الأراضي المتاخمة. والأهم من ذلك، فإن الإسرائيليين اليهود والفلسطينيين غير اليهود، المواطنين الإسرائيليين والمدنيين اللذين لا يملكون دولة جميعهم يقطنون بشكل لا خلاص منه في كيان محلي واحد تحت سيطرة إسرائيل. إن الدعوة لدولتين هي في الواقع دعوة لانفصال جمهورين بناء على التجانس العرقي-الوطني. فشلَ المقترح، ليس فقط بسبب قلة المسؤولية، ولكن لأنه متصدع من الأساس. وكما هو الحال مع وصف الأسبرين لمعالجة السرطان، فقد عرضت أوسلو حكماً ذاتياً مبتوراً كوصفة للاستعمار الاستيطاني والهيمنة الإسرائيلية اليهودية.
فعلى غرار مقترح ماركوس غارفي في رده على "مسألة السود" في الولايات المتحدة، فقد أصر الصهيونيون على إنشاء وطن يهودي كردّ على معاداة السامية المنهجية في أوروبا. حفّز رعب المحرقة في أوروبا الخيار الصهيوني، ومنذ ذلك الحين فقد طغى على جميع الردود الأخرى على ذلك التعصب الأعمى العرقي والمؤسساتي. وبالتالي، فقد أصبح من الصعوبة الشديدة، إن لم يكن من المحال، نقد الهيمنة اليهودية الصهيونية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة دون الوقوع فريسة لاتهامات معاداة السامية. ولكن في الواقع، فإن معارضة معاداة السامية وكذلك معارضة الامتيازات الإسرائيلية اليهودية متجذرتان في النقاش حول معاداة الهيمنة.
تأسيس أغلبية ديموغرافية
بسبب الإصرار على بقاء أغلبية ديموغرافية يهودية، فإن تأسيس وبقاء إسرائيل قد ألزم استمرار النزوح القسري للفلسطينيين. فقبل تأسيس إسرائيل بزمن بعيد، قال ديفيد بن غوريون، وهو مصمم إسرائيل الرئيسي ورئيس وزرائها لمرتين، أنه لكي يتمكنوا من النجاح، فعلى اليهود أن يشكلوا 80% من تعداد السكان، وهي نسبة بالكاد تكون جديرة بالتصديق ظاهرياً على ضوء مجتمع فلسطين مفعم بالحياة في 1948، كما قال المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس أثناء مقابلة لمناقشة كتابه، مولد مسألة اللاجئين الفلسطينيين من جديد.
فهم بن غوريون أن لا وجود لدولة إسرائيل مع وجود أقلية عربية معادية وكبيرة في وسطها...يجب أن يكون هذا واضحاً، لا يمكن الهروب منه. من دون استئصال الفلسطينيين لما ظهرت دولة يهودية هناك. بناء على هذا التصور أيضاً، فقد دمر الصهاينة 531 قرية عربية وقاموا بنفي أكثر من 700 ألف فلسطيني عام48. إن "المشكلة" هي أن القوات الصهيونية لم تنفي جميع الفلسطينيين. يشكل الـ 100 ألف فسطيني اللذين بقوا في إسرائيل في نهاية حرب 1948 تعداداً سكانياً يبلغ 1.2 مليون شخص أي حوالي 20 بالمائة من مجموع سكان إسرائيل اليوم.
لو أن إسرائيل أعلنت حدودها على خط هدنة 1949 لكان الحفاظ على نسبة 80 بالمائة في التوازن الديموغرافي أمراً ممكناً. ولكن إسرائيل لم تعلن قط حدودها، ووفقاً للخطة التي طورها أول مرة نائب رئيس الوزراء إيغال آلون مباشرة بعد حرب 1967، فإنها تتوسع بثبات على ما تبقى من فلسطين تحت الانتداب والتي هي موطن لـ 4 ملايين فلسطيني الآن.
واعتباراً من تشرين الأول/أكتوبر 2012، فإن التوازن ما بين اليهود وغير اليهود في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، كان حوالي 5.9 مليون إسرائيلي يهودي، بما في ذلك السكان المستوطنون، و6.1 مليون فلسطيني.
في هذا المفصل، تستطيع إسرائيل أن تتخلى عن التزامها بأغلبية ديموغرافية يهودية وتأسس دولة لكل مواطنيها من دون تمييز الدين. يرفض قادتها وداعموها هذا الخيار التعددي والديمقراطي بشكل صريح ويساووا بينه وبين تدمير إسرائيل.
بشكل بديل، تستطيع إسرائيل أن تلحق الأراضي بها وتفرض نظام فصل عنصري، حيث تحكم أقليةٌ الأغلبية. يرفض قادة إسرائيل هذا الخيار ولكن أغلبية واسعة من الإسرائيليين تدعمه بوضوح، كما كشف استطلاع للرأي نشرته هآرتس في عام 2012. ومع أن إسرائيل ترفض الاعتراف به رسمياً، فإن هذا الواقع موجود كحقيقة على الأرض. قد يكون الخيار الأفضل لإسرائيل من أجل الحفاظ على أغلبية ديموغرافية يهودية هو تأسيس دولة فلسطينية مع تأسيسٍ قانونيٍ لحدود دولية-وهو الخيار الذي تخلت عنه منذ أربعة عقود مضت. بالفعل، فقد حصل هذا الخيار على الدعم الأكثر حماساً من المجتمع الدولي والقيادة الفلسطينية الرسمية، التي تمثلها السلطة الفلسطينية، وكذلك من داعمي إسرائيل الطنّانين.
ومع ذلك، فقد لغت إسرائيل خيار الدولتين منذ أن وقعت اتفاقية أوسلو في 1993. فقد أجازت ومولت وشجعت، كجزء من سياستها الوطنية، نمو التعداد السكاني للمستوطنات في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة من 200 ألف إلى حوالي 600 ألف مستوطن. بنت 85 بالمائة من جدار الفصل على أراضي الصفة الغربية المحتلة، مطوقة بذلك أكبر الكتل الاستيطانية، وعملياً قامت بمصادرة 13 بالمائة من الأراضي. فعوضاً عن تجهيز المنطقة C (والتي تشكل 62 بالمائة من الضفة الغربية وتقع اليوم تحت السلطة القضائية الإسرائيلية المدنية والعسكرية) للسيطرة الفلسطينية، فقد قامت بتحصين المؤسسة الاستعمارية الاستيطانية. لقد فاقم الحصار الإسرائيلي من المسافة الثقافية والاجتماعية والوطنية بين قطاع غرة والضفة الغربية. وصعّدت حملة التهويد المكثفة في القدس الشرقية من التطهير العرقي للفلسطينيين هناك، بدلاً من تجهيزها لتصبح العاصمة المستقلة لدولة فلسطينية مستقبلية.
بالنسبة للصهاينة الليبراليين اللذين يعتقدون بأن الحفاظ على إسرائيل كدول يهودية وحماية كرامة وحرية الفلسطينيين هما أمران يمكن التوفيق فيما بينهما، فهذه معضلة مثيرة للاستغراب – لماذا تخرّب إسرائيل أفضل خيار لديها؟ لنقلها بصراحة، لأن خيار إسرائيل المفضل هو الخيار الذي طالما سعت إليه: تأسيس سلطة مطلقة على الفلسطينيين كطبقة دنيا مجزأة وممكن الاستغناء عنها، ومن دون تمييز حالتهم بين مواطنين إسرائيليين أو مدنيين تحت الاحتلال.
تاريخياً، لم يتصور الصهاينة، الفلسطينيين كنظام حكم وطني من حقه أن يقرر مصيره؛ لم يتم اعتبارهم كـ "شعب" أبداً. ولكن التمثيل الذاتي الفلسطيني والمقاومة والاعتراف الدولي قد أجبر أكثر الصهاينة حماسة على إعادة التفكير بهذا المقترح. وعلى الرغم من تقبلهم لهم كشعب في وقتنا الحاضر، فإن إسرائيل تستمر بالتعامل مع السكان الأصليين غير اليهود في فلسطين تحت الانتداب كعائق ديموغرافي ووطني وثقافي لمشروعها الاستعماري الاستيطاني بدلاً التعامل معهم كأحد المقومات أو جارٍ مستقبلي.
الهيمنة الوطنية العرقية
بُعيد تأسيسها، أصدرت إسرائيل سلسلة من القوانين التي أعطت امتيازات لقاطنيها اليهود وهمّشت السكان الأصليين غير اليهود. يتعلق الأمر بقانونين: قانون الجنسية (1952) الذي فصل المواطنة اليهودية عن الجنسية الإسرائيلية وسحب المواطنة الكاملة من السكان الفلسطينيين. بفعلها هذا، أنشأت الدولة نظاماً حقوقياً من مستويين: أحدهما متاح لليهود اللذين يستطيعون أن يكونوا مواطنين ويحملون الجنسية والآخر لغير اليهود اللذين يستطيعون أن يحملوا الجنسية فقط. عزز قانون العودة (1950) حق الحصول على الجنسية الإسرائيلية والميزات التي تقدمها الدولة لأي شخص يهودي في أي مكان بالعالم ويصبح مواطناً يهودياً.
ضمنت هذه القوانين سوياً أن يحصل الأشخاص اليهود اللذين يعيشون خارج حدود إسرائيل وليس لديهم أي صلات فيها على حقوق أكثر من أولئك الفلسطينيين غير اليهود اللذين حصلوا على الجنسية في الدولة حتى عندما لم تشكل أعدادهم الضئيلة خُمس عدد سكان إسرائيل كما هو الحال عليه اليوم. لم تكن إسرائيل الناشئة ترسخ أغلبيتها الديموغرافية فحسب، ولكن وعن طريق إصدار سلسلة من القوانين المشابهة فقد حفظت أيضاً الامتيازات السياسية والاجتماعية والاقتصادية اليهودية.
وعلى الرغم من الأغلبية الديموغرافية لليهود بالنسبة لغير اليهود في إسرائيل، فقد عاملت إسرائيل مواطنيها الفلسطينيين كطابور خامس. يقول التقرير السنوي لحقوق الإنسان لوزارة الخارجية الأمريكية في عام 2005 أن هناك:
”تمييز مؤسساتي قانوني واجتماعي ضد المواطنين الإسرائيليين المسيحيين والمسلمين والدروز. لا تزود الحكومة العرب بنفس مقدار التعليم والإسكان والعمل والخدمات الاجتماعية الذي يحصل عليه اليهود.“
بالإضافة إلى إخضاعهم الاجتماعي والاقتصادي، فقد عملت إسرائيل للحيلولة دون نمو هوية وطنية وتآخٍ اجتماعي فيما بين الفلسطينيين السكان الأصليين. وبالتمادي في أولوياتها الديموغرافية، فإن بعض هذه السياسات الإسرائيلية استهدفت وبشكل علني تقليص حجم السكان الفلسطينيين. إن قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل، المعروف بحظر لمّ الشمل، على سبيل المثال، يمنع تعديل وضع الجنسية والحصول عليها للمتزوجين من الأراضي الفلسطينية المحتلة "الدول المعادية" ومن دون مصادفة هي كل البلدان التي فيها تركيز عالٍ من الفلسطينيين: لبنان، سوريا، إيران، والعراق. في قرارها عام 2012 الذي دعّم الحكم، شرحت المحكمة العليا الإسرائيلية "حقوق الإنسان ليست وصفة للانتحار الوطني".
ولكن التهديد ليس عددياً فحسب، بل إنه كذلك تنافس بين الخطابات والذكريات. والأسطورة الوطنية للدولة هي رهن لذلك. في عام 2011 أصدرت إسرائيل قانون ميزانية الدولة. المعروف شعبياً بقانون النكبة، إنه يعاقب، عن طريق سحب تمويل الدولة، أي مؤسسة تشكك بتأسيس إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية أو تحيي ذكرى يوم ”استقلال إسرائيل“ كفاجعة أو خسارة. التهديد الذي يمثله إحياء الذكرى هذا هو تحدٍ لخطاب إسرائيل في حقها بالوجود.
تسعى خطة براور، نسبة إلى مؤلفها نائب رئيس مجلس الأمن الوطني السابق أيهود براور، إلى تهجير حوالي70 الف بدوي فلسطيني من بيوتهم ومجتمعاتهم في صحراء النقب إلى بلدات حضرية لإفساح المجال لمستوطنات لليهود فقط. لن يكون للخطة، التي تمت الموافقة عليها في أيلول/سبتمبر عام 2011، أي أثر ديموغرافي، لأن هؤلاء الفلسطينيين هم بالفعل مواطنون إسرائيليون. ولكنها بالواقع تفصل هذه المجتمعات البدوية عن طريقة عيشها الزراعية وعن ارتباط استمر قروناً مع ذلك الجزء من الأرض.
بشكل مشابه، رفضت محكمة العدل العليا في عام 2001 استئنافاً من الفلسطينيين المهجّرين داخلياً للعودة إلى قراهم في إقرث وكفر برعم، قرب الحدود اللبنانية حيث تم تهجيرهم بشكل قسري عام 1948. فعلى غرار الفلسطينيين القاطنين في النقب، فإن هؤلاء الفلسطينيين مواطنون إسرائيليون وبالتالي لا يشكلون تهديداً ديموغرافياً. في الواقع، إنهم يعيشون على بعد أميال معدودة من قراهم المدمرة. تهدد عودتهم الخطاب الإسرائيلي بأن ”فلسطين كانت أرضاً من دون شعب لشعب من دون أرض“. وللإمعان في المحو، تخطط إسرائيل ببناء مستوطنات إسرائيلية حيث كانت تعيش هذه المجتمعات.
تظهر سياسات إسرائيل فيما يخص الأراضي والتخطيط العمراني في الجليل بأن التهديد لا يتعلق فقط بالديموغرافيا والذاكرة بل أيضا بتجانس الفلسطينيين ضمن الدولة، وإمكانية قيام وطنية فلسطينية. في الناصرة، حيث يسكن 80 ألف فلسطيني من مواطني إسرائيل، فإن الحق بالاشتراك بالمزايدات من أجل الإعمار في القطاع العام مخصصة فقط للمواطنين اللذين أتموا الخدمة العسكرية. يستثني هذا تقريباً كل سكان الناصرة الفلسطينيين، اللذين لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي لأسباب سياسية وتاريخية. وفي مدن الجليل الأخرى، تستطيع "لجان القبول" استثناء الفلسطينيين بشكل قانوني من مجتمعاتهم السكنية لكونهم "غير مناسبين اجتماعياً" بناء على عرقهم أو أصلهم الوطني فحسب. فمع سياستها بتوسع الاستيطان اليهودي ضمن إسرائيل وكذلك مصفوفة من قوانين التخطيط المدنية العنصرية، فإن إسرائيل تجبر مواطنيها الفلسطينيين على العيش في أحياء مهملة غير مترابطة على امتداد الدولة برمتها.
يعرقل اللاجئون الفلسطينيون هذه الأهداف الوطنية: ستدمّر عودتهم الأغلبية اليهودية في إسرائيل، ومجرد وجودهم هو شهادة على الخطاب والذاكرة الفلسطينية، وادعاءاتهم التاريخية تخلخل الأحياء المهملة للفلسطينيين ضمن إسرائيل اليوم. ولكن غياب اللاجئين لا يقلب سياسات إسرائيل التي تستهدف التقليل من أعداد الفلسطينيين وتركيزهم جغرافياً وفصلهم عن بعضهم البعض.
وبالتالي فإن التخلي عن حق العودة للاجئين ضمن هذا السياق ليس "عملياً" على الإطلاق. ليس اللاجئون هم العائق في تأسيس سلام قابل للنجاح؛ إن العائق الهائل هو إصرار إسرائيل على تفوق اليهود على امتداد إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.
علاج غير ملائم
إن دولة فلسطينية ليست علاجاً ملائماً لهذه الظروف. في أفضل الأحوال، فإنها تستجيب لطموحات إسرائيل في السيطرة وذلك عن طريق تأسيس نتيجة منطقية عربية مسلمة ومسيحية حيث يستطيع الفلسطينيون تأكيد هيمنتهم العرقية والوطنية. إنها تغفل النظر عن المسألة الفلسطينية بشكلها العام، والتي تنبع من تهجيرهم القسري والنفي والاحتلال. فعلى نقيض الحماس الدولي اليوم لدولة فلسطينية فقد قامت الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في عام 1976 وكرد على تأسيس "ترانسكي"، سلطة حكم ذاتي ضمن جمهورية جنوب إفريقيا، بإصدار القانون 31/6A الذي أدان تأسيس موطن البانتو التي صممت لتعزيز السياسات غير الإنسانية لنظام الفصل العنصري ولتدمير وحدة الأراضي في البلد ولديمومة هيمنة الأقلية البيضاء ولسلب الشعب الإفريقي في جنوب إفريقيا من حقوقه التي لا يمكن أن تعطى ملكيتها لشخص آخر.
حتى دولة واحدة ديمقراطية وعلمانية ومن دون حركة ملازمة تناهض الهيمنة لن تكون كافية لعلاج هذه الظروف. بغض النظر عن عدد الدول، يجب أن يكون الهدف تفكيك تلك المؤسسات التي تعطي الامتيازات لأي مجموعة عرقية أو دينية أو وطنية بعينها. وكما تشير فجوات الفقر الكبيرة بين السود والبيض في جنوب إفريقيا بعد النهاية الصورية لنظام الفصل العنصري في بداية التسعينات، فإن هذا يجب أن يتضمن أكثر من مجرد إزالة القوانين العنصرية. يجب أن تبدي العدالة الانتقالية سياسة لإعادة التأهيل أيضاً. فالمساواة تحت القانون وحدها لن تنجز الكثير للتخفيف من تجريم الأقليات، ومجتمعات السكان الأصليين كما يشير الحال في الولايات المتحدة من خلال النسبة المذهلة من الأمريكيين الأصليين المسجونين في الولايات التي ما زالت أعدادهم فيها كبيرة. فمن أجل علاج التمييز والإخضاع المؤسساتي بشكل ملائم، يجب أن تُصبغ مؤسسات الدولة التي يتم إصلاحها بمعتقدات ومُثُل عليا فيما يخص الكرامة الاجتماعية والاقتصادية لكل المواطنين والمقيمين.
إن الفشل بالقيام بهذا في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة سينتج عنه على الأغلب واقع الأحياء المهملة، وإفقار وتجريم الفلسطينيين المنهجيين بغض النظر عن وضعهم المسبق كمواطنين أو مدنيين أو لاجئين. تحت هذه الظروف، وضمن حل الدولة الواحدة، سيكون وضعهم مثل وضع محميات الهنود الحمر في الولايات المتحدة، وفي حل الدولتين سيكونون مثل البانتو في جنوب إفريقيا. يجب رفضهما كليهما لصالح صيغة دولة واحدة ديمقراطية مبجلة كخطوة أولى.
[نشر هذا المقال للمرة الأولى بالإنجليزية في مجلة ” The Nation “ وترجمه إلى العربية مازن حكيم.]